فارس الفن والطرب اليمني..يترجل

- ‎فيفنون وأدب

عم الحزن والأسى على قلوب اليمنيين ومحبي فقيد الفن العربي الفنان الكبير ابو بكر سالم بلفقيه الذي وافته المنية يوم أمس الأحد بالعاصمة السعودية الرياض بعد صراع مرير مع المرض.

الفنان أبو بكر سالم بن زين بن حسين بلفقيه، من مواليد 17 مارس 1939م, بمديرية تريم محافظة حضرموت, خلف إرثا ثقافياً وفنياً وشعرياً للفن اليمني خصوصاً والفن العربي بشكل عام, فقد كان شاعرا ًومطرباً وملحناً في نفس الوقت وهذا ما جعله يتميز في مسيرته الفنية.

يطلق عليه اليمنيون سفير الفن والطرب اليمني ابوبكر سالم, فقد بدأ حياته الشعرية وهو في سن ال17 عندما كتب أول نص غنائي بعنوان “يا ورد محلا جمالك”  وقد تربى يتيماً  بعد وفاة والده وهو ذو 8 أشهر  من عمره , لذلك عاش وتربي في بيئة مثقفة تقدر العلم والعلماء , كيف لا وهو ابن مدينة تريم الغناء مدينة العلم والعلماء, مدينة الفن الصوفي وبلاد الأحبة.

انتقل في بداية حياته وعاش في مكة المكرمة فترة من الزمن ثم عاد إلى مدينته تريم حيث المهد والطفولة, أصبح فخر والدته ومفخرتها تماري به وبصوته الشادي وحنجرته الذهبية عندما كانت الأناشيد الصوفية تتزاحم على الإسماع  إلا أن صوت أبو بكر كان له ذوق خاص.

الانطلاق

بعد أن عاش في بيئة ثقافية أثرى لغته الأدبية والثقافية وكان لعمله مدرساً للغة العربية دوراً كبيراً في إتقانه للفن ورغبته الجامحة في إخراج ما بداخله من ميل نحو الفن والشعر , فقرر النزول إلى عدن عاصمة الفن والثقافة في بداية الخمسينات من القرن الماضي , بعد افتتاح أول إذاعة محلية في عدن .

وكانت لازدهار الفن والثقافة في عدن أهم الدوافع التي جعلت عدن وجهة الفنان أبو بكر سالم  ووجود عدد من الفنانين ورموز الفن اليمني في عدن كمعلمه الأول وأستاذ الفن اليمني “المرشدي” والعديد من الفنانين,ووصل إلى عدن وهو يحمل أو قصيدة له ياورد محلا جمالك” لحنها بنفسه في مقتبل عمره, وسجلها في الإذاعة عام 1956م, وسر بهذا الانجاز الكبير والذي دفعته لتسجيل أكثر من أغنية اسمها “لما ألاقي الحبيب”، وعاد للإذاعة فوفرت له الإمكانيات أكثر من ذي قبل، بعدها بدأ يسري صوت الفنان الشاب عبر الأثير، رغم قصر مدة البث في بداية البث الإذاعي.

المعلم الأول ” المرشدي”

كان للفنان الأستاذ محمد مرشد ناجي”المرشدي” دور كبير في تشجيع ابوبكر وتقديمه للمجتمع بصورة الفنان الكبير والشاب المبدع فكان أول مرة يقف فيها امام الجمهور في حفلة عرس في عدن قدمه “المرشدي” للجمهور بقوله ” أقدم لكم لأول مرة الفنان الشاب أبو بكر بالفقيه”, وكان رهانه في محله وظنه لم يخيب من قبل الفنان الشاب ابوبكر , وبعد غنائه لأغنيته ، وغنى أبو بكر سالم تلك الليلة أغنيته اليتيمة التي كتبها ولحنها قبل أن يبلغ العشرينات “ياورد محلى جمالك”، فصفق له الجمهور، ولم يستطع النوم تلك الليلة إلا وقد شرع في كتابة أغان منها :” (خاف ربك)، (يا حبيبي ياخفيف الروح) و(سهران ليلي طويل), في الحفل عرف الحاضرين أي موهبة وأي كنز يمتلكه الشاب المبدع الفنان أبو بكر سالم.

تعلم العزف على آلة العود بعد أن نصحه مقربين منه بتعلمها خصوصاً عندما كان يجيد الموروث الشعبي والموشحات الصوفية وحفظه للقصائد الفصحى ونبوغ موهبة الشعر والتلحين جعله يتميز ويبدع في نقل الفن والطرب اليمني ليكون سفير الفن والطرب اليمني.

سفره وتنقلاته:

بعد نبوغه وإتقانه للفن العدني والحضرمي والصنعاني قرر أن يبدع أكثر وينطلق نحو فضاء أوسع لينقل الفن اليمني للخارج ونظراً للأوضاع السياسية التي كانت في عدن, وتزاحم الفنانين فيها, قرر السفر إلي العاصمة اللبنانية بيروت  في العام 1958م, حيث الفن والغناء والجمال, وكان للسفر خارج البلاد اثر كبير في صقل موهبته حيث “الإبداع يولد من رحم المعاناة” وكانت معاناة الفراق والغربة وازدياد الشوق والحنين لبلاده دور في بروز الفن اليمني وبداية النور نحو الخارج, وفي تلك المرحلة أطلق روائعه الغنائية مثل: “24 ساعة” و”متى أنا أشوفك”، والتي كانت من لحنه وكلماته، يقول أبو بكر سالم عن رحلته إلى بيروت:” كان يراودني الحلم بأن أغني الأغنية الحضرمية وخلفي “الأوركسترا” وأن أخرجها من النطاق الضيق الغناء بالعود، والإيقاع فقط، ونجحت في ذلك بين عامي 1960 – 1961″.

وفي بيروت قدم مع عدد من الفنانين اللبنانيين مثل أغنية “من نظرتك يازين” مع نجاح سلام وأغانٍ مع هيام يونس، وتعلق بلبنان إنساناً وفناً، وظل يتردد بين بيروت وعدن مروراً بجدة,  إلى أن قرر أن يضع حداً للرحيل والترحال وأن يبدأ مرحلة فنية جديدة في جدة، حصل بعدها بفترة على الجنسية السعودية، وقدم عدداً من الأغاني الوطنية من أشهرها “يا بلادي واصلي”، “يا مسافر على الطايف” وتم تسجيلها في بيروت، وبعدها استقر في العاصمة الرياض.

المحضار رفيق الدرب

كان للشاعر اليمني الكبير حسين أبو بكر المحضار دور كبير في بروز  الفنان أبو بكر سالم بالفقيه, وكانت لكلمات المحضار وألحانه صدى ونكهة خاصة أضافت للحنجرة الذهبية بهاء وتألق منقطع النظير للفنان أبو أصيل ,

واحتل رحيل رفيق دربه وشاعر اليمن الكبير حسين المحضار عام 2000م, اثر بالغ في نفس الفنان أبو بكر بالفقيه وكان دائماً الحديث عنه وعن الأثر الذي تركه في نفسه بعد رفقة وصحبة عمر استمرت أكثر من 35 عام, ومثلوا ثنائية إبداعية ومدرسة فنية خاصة ,كما احتلوا مكانة متميزة  في قلوب اليمنيين والعرب كافة .

وكان لقاء الثنائي يمثل بداية متميزة جعلتهم ينطلقون من ثقافة واحدة ومن بيئة واحدة في الولع بـ “الدان الحضرمي”، حيث قدما مجموعة من الروائع مثل “باشل حبك معي”، “سر حبي فيك غامض”، “كما الريشة” و”خذ من الهاشمي”، ومنذ أول لقاء بينهما في منتصف الستينات في مدينة “الشحر” أخذ أبو بكر بيد المحضار إلى بيروت وجددا مجموعة من الأغاني مثل “يا زارعين العنب”، و”شلون حال الربع”.

وغنى له أيضاً “شلنا يابو جناحين”، “إنت وينك” و”ياسهران”، “عنب في غصونه”، “الكوكب الساري”، وبعد الاستقرار في السعودية جمعتهما “يا سهران سلام” والأغنية الشهيرة “يا ويح نفسي”، واستطاع الثنائي الانفتاح على الأغنية الخليجية وإثراء الحركة الفنية وصناعة حراك جميل امتد لسنوات، يقول أبو بكر سالم: “المحضار فنان لديه إيقاع داخلي في كوامنه”.

وكان الفقيد يتذكر رفيق دربه دائماً حتى قام بزيارة لقبر المحضار عام 2003م , وترحم عليه ودعا له بالرحمة والمغفرة وقال قولته المشهورة : “أنت حي بداخلنا” في إشارة إلى تذكره والفراغ الذي تركه في نفسه والأثر في حياته.

مرضه

عانى الفنان أبو بكر سالم بلفقيه من مشاكل صحية في الـ10 أعوام الأخيرة، على إثرها أجرى عملية قلب مفتوح في ألمانيا، ثم أدخل إحدى المصحات لفترة امتدت لأشهر، وكان قد رقد لفترات متقطعة في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض لإجراء فحوص طبية.

وفاته ـ  كثرت الشائعات وترددت الأقاويل حول وفاة الفنان أبو بكر خلال الفترة والسنوات السابقة إلى يوم أمس الأحد  قطعت عائلة الفنان بلفقيه الشك باليقين وأعلنت أسرته من المملكة العربية السعودية عن وفاة والدهم بعد صراع مرير مع المرض , وتم تشيعه اليوم ودفنه في العاصمة السعودية الرياض.