لم يكن صالحاً.. لكنها كانت ثمود

- ‎فيكتابات

لم يكن علي عبدالله الصالح، صالح أهله، لكنه لجأ في رقصة حربه السابعة إلى ثمود الحوثيين، فلم يغفروا له ما فعله مع مؤسس حركتهم حسين بدرالدين الحوثي يوم قتله بكهف من كهوف صعدة عام 2004، بأول رقصة من رقصاته الست مع ثعابين اليمن على حدّ وصفه، لكن، إن كانت الأساطير تتحدث عن أن القطط بسبعة أرواح.. فقد أخذ حقه من تلك الأرواح، فمات في سابعتها.
لم تتوقع له الـ «واشنطن بوست» -يوم وصل إلى السلطة- أكثر من ستة أشهر في الحكم، فخيّب ظنها، بحكمه اليمن الشمالي عشرين عاماً، ثم الاثنين معاً الشمالي والجنوبي لـ 33 عاماً..
توفرت للرئيس اليمني المقتول فرص ذهبية للخروج من المشهد السياسي كمانديلا جنوب إفريقيا، وما زلت أتذكر عزمه عدم الترشح مستقبلاً.. ففرحنا بذلك، لعله يؤسس لرئاسة عربية جديدة، لكن، خاب ظننا، كما خاب ظن الـ «واشنطن بوست» من قبل، وسيظل مصطلحه تصفير العداد خاصاً به، حين كان يتحدث عن بداية أولية وجديدة لرئاسته، وكأنها بداية من الصفر. وحين اندلعت ثورة فبراير المجيدة عام 2011 على يد شباب وشابات اليمن العظيم، لم يُصغ طاغية اليمن لكل النداءات، ولم يختر أنموذج زين العابدين.. ولا حسني مبارك، وفضّل أنموذج الطغاة القتلة كالقذافي وبشار، وهو يرى ما حلّ بالقذافي، بينما كان العرس اليمني يومها في جمهورية الحرية وشارع الستين من أجمل اللحظات في حياتي، تغطية لثورات الربيع العربي.
وحين تعرض للحرق في مسجد الرئاسة، لم يعتبر.. بل واصل إمعانه بالطغيان، فلجأ إلى عدوه اللدود الحوثي، من قتل خيرة ضباطه وجنوده في حروب ستة خاضها معهم، بينما تخلى عنه كبار مساعديه العسكريين لهذا الانحياز إلى أعداء الأمس، وكان على رأسهم علي محسن الأحمر
قبل يومين فقط من قتله، صرخ مطالباً الشعب اليمني بالانتفاضة ضد الحوثي، ونسي يوم سخر من كل انتفاضاتهم في فبراير، بل.. وسحقهم سحقاً في جمعة الكرامة وغيرها.. التي كنت شاهداً عليها، فخذله الجميع لا لشيء، إلا لأنه بنى بينه وبين شعبه جدراً من الشكوك والخوف، والألاعيب السياسية المكلفة لليمنيين من أجل بقائه في السلطة، فقد كان ينتظر من قبائل طوق صنعاء أن تقطع الطريق على المليشيات الحوثية القادمة إليه، لكنها لم تفعل ذلك، خذلته بعد أن خذلها مراراً وتكراراً، وهي التي رأت كيف أذلها يوم دخول الحوثي إلى صنعاء.. بدعمه ومساندته ومباركته، بل، واستمر بهذا الحلف لثلاث سنوات، من دون أن يتنبه إلى ما حلّ بها على أيدي حلفاء الأمس.
ويبقى السؤال المليوني.. اليمن إلى أين؟ باختصار.. لست خبيراً يمنياً، لكنني غطيت ثورتها واهتممت بأحداثها قبل الثورة وبعدها.. وما زلت، لكن المؤشرات تشير إما إلى قفز مرشح الإمارات أحمد علي الصالح لملء فراغ والده، وظهر ذلك مع تهديداته الأخيرة للحوثيين، وإما أن يتقدم نائب الرئيس علي محسن الأحمر ليقود القبائل، ويفرض نفسه على الأرض مع بقايا المؤتمرين، الذين لا يرون في أحمد بديلاً سياسياً وحزبياً، ولكن، لهذا محاذيره، كون علي محسوب إماراتياً على الإصلاح، الذين يعادونه.. ويعادون معه كل إسلامي، وهناك خيار التزاوج بين أحمد ومحسن، وإن كانت فيزياءً وليست كيمياءً، ويبقى المشهد الأخير الأقرب إلى الواقع في الوقت المنظور، وهو الفوضى وتعميقها، لا سيما، وأن اللا مبالاة الدولية إزاء مقتل شخصية بحجم علي عبدالله الصالح تنبئ بذلك.;