عبد الكريم الإرياني: مهندس الظل لهادي ومثير غيظ صالح

- ‎فيأخبار اليمن, تقارير, هامة

ولد الإرياني، الذي يتحدر من أسرة علم وحُكْم وقضاء في محافظة إب، جنوب غرب البلاد، في 20 فبراير/شباط 1935، وعمُّه هو الرئيس الأسبق، عبدالرحمن الإرياني، الذي حكم شمال اليمن في مرحلة صعبة ثماني سنوات بين عقدي الستينيات والسبعينيات. حصل الإرياني على البكالوريوس ثم الماجستير في الزراعة من جامعة جورجيا الأميركية في عامي 1962 و1964 على التوالي، ثم الدكتوراه في الكيمياء الحيوية وعلم الوراثة من جامعة ييل بكونيكتيكت في عام 1968.

ومنذ منتصف السبعينيات وحتى بداية الألفية الثالثة، لم يخلُ تشكيل حكومي من اسمه، تارة في الزراعة وتارة في التخطيط وأخرى في التربية والتعليم، على أن أكثرها كان في حقيبة الخارجية، إذ كان الإرياني من أبرز الشخصيات اليمنية التي تعتبر دليلاً لليمن في الخارج، والغرب على وجه الخصوص.

تقلد الإرياني منصب رئاسة الحكومة مرتين، الأولى بين عامي 1980 و1983 في الشطر الشمالي لليمن قبل الوحدة، والثانية بين عامي 1998 و2001. وكان اللافت في مسيرته الإدارية والوظائف التي شغلها، تنقله السلس بين المناصب. وبعدما كان رئيساً للوزراء أوائل الثمانينيات، تسلم بعدها منصب نائب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية، ثم انتقل إلى التخطيط وعاد مجدداً للخارجية، ثم نائباً لرئيس الوزراء، ثم رئيساً للحكومة. وبقي تأثير الإرياني هو نفسه؛ السياسي الفطن الذي تتحول تصريحاته السياسية إلى مثار جدل وتداول ومصدر للتأويلات المتعددة.
خلال فترة الثمانينيات، كان أشهر قرار اتخذه الإرياني، على المستوى الشعبي، هو عدم استيراد الفواكه، ما أدى إلى إحياء زراعتها محلياً. وعلى المستوى السياسي، كان الإرياني صاحب مواقف متميزة في العلاقة مع السعودية، التي ساد التوتر علاقاتها مع الأنظمة اليمنية المتعاقبة في فترات متقطعة، شمالاً وجنوباً ثم لاحقاً في اليمن الموحد.

أدوار متعددة

كان أحد أبرز الأدوار السياسية التي أداها الإرياني خلال حرب صيف 1994 الأهلية (حرب إعادة فرض الوحدة بالقوة بين الشمال والجنوب)، إذ كان يومها مبعوث اليمن إلى مجلس الأمن الدولي، وساهم في تخفيف حدة قرارين صدرا عن مجلس الأمن أثناء الحرب، ولم يلزما بإيقاف إطلاق النار، بما منح القوات التي دخلت الجنوب فرصة الحسم.
التحق الإرياني في عقد الخمسينيات بحركة “القوميين العرب” في القاهرة، ولاحقاً عُرف الإرياني عند التيارات الإسلامية، خصوصاً في عقدي الثمانينيات والتسعينيات كرجل العلمانية، وعند الاشتراكيين كرجل الرأسمالية، وذلك بسبب توجهاته التحديثية في الدولة والتوجهات السياسية الخاصة بالديمقراطية والحزبية. أدى دوراً في تصميم النظام السياسي وحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان في البداية حزباً وحيداً يضم مختلف التيارات في الشمال قبل الوحدة، ثم تحول إلى حزب حاكم إلى جانب الاشتراكي والتجمع اليمني للإصلاح بعد 1990، وحزب حاكم وحيد بعد 1997، وشغل فيه الإرياني منصب الأمين العام منذ عام 1995.

الإرياني وصالح

كان الإرياني من أبرز رجال النظام السياسي والحزب الحاكم، حتى عام 2001، الذي ترك فيه آخر منصب حكومي تنفيذي كرئيس للحكومة، وانتقل بعده إلى منصب المستشار السياسي للرئيس في ذلك الحين، علي عبدالله صالح، غير أنه بقي أميناً عاماً للحزب حتى عام 2005، عندما انتقل إلى منصب النائب الثاني لرئيس الحزب، ومن هذه المرحلة بالذات أخذت علاقته مع صالح بالتدهور لأسباب غير واضحة.
مع انطلاق ثورة الشباب في اليمن عام 2011، كان موقف الإرياني لافتاً، إذ على الرغم من شهرته كأحد رجال صالح في العقود الماضية إلا أنه أبدى عدم معارضته الثورة بأكثر من مناسبة، لكنه لم ينضم إليها. وبدا ابتعاده عن صالح أكثر وضوحاً مع بدء الفرز خلال المرحلة الانتقالية بين الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي وبين الرئيس المخلوع.
كان الإرياني وجناحه داخل حزب المؤتمر يقف مع هادي، إلى أن تم  إقصاء الاثنين (هادي والإرياني) في المؤتمر العام للحزب الذي عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

كذلك، كانت للإرياني أدوار بارزة خلال المرحلة الانتقالية، وتحديداً في ملف الحوار، إذ كان رئيساً للجنة التحضيرية للحوار، ثم نائباً لرئيس مؤتمر الحوار الوطني، الذي عقد بين مارس/آذار 2013 ويناير/كانون الثاني 2014. وقبل اختتام الحوار، كان قادة القوى يجتمعون في منزله. اتهم من بعض الأصوات بمحاولة تفريغ مخرجات مؤتمر الحوار من مضمونها، وتحديداً الشق المتعلق بنظام الحكم، من خلال صيغة تقدم بها عُرفت بـ”وثيقة الإرياني” حاول التأثير فيها على طبيعة الفدرالية المطروحة وجعلها أقرب إلى الحكم المحلي. كما شارك الإرياني في لجان وساطة حكومية بعثها هادي إلى صعدة (معقل الحوثيين) للقاء زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، وهو الدور الذي كشف معلومات مثيرة حوله في مقابلة شهيرة، في ديسمبر/كانون الأول 2014.
وفي فبراير/شباط من العام الحالي، تداولت وسائل الإعلام خبراً عن إعلان عبدالكريم الإرياني اعتزال “العمل السياسي”، ليظهر لاحقاً مجدداً من الرياض إلى جوار هادي بعدما اضطر الأخير إلى مغادرة البلاد فضلاً عن إطلاق قوات التحالف العربي “عاصفة الحزم”.
كان الإرياني من أبرز معدي “مؤتمر الرياض”، الذي انعقد بمشاركة القوى المؤيدة للشرعية بين 17 و19 مايو/أيار الماضي. وقبل انعقاد المؤتمر حاول صالح أن يغازل الإرياني، من خلال منشور على صفحته في موقع “فيسبوك” يطالب أنصاره بعدم الإساءة للإرياني.
كذلك كان الإرياني، خلال الشهور الماضية، أحد أبرز الأسماء المرشحة لترؤس حزب المؤتمر الشعبي العام من قبل القيادات المؤيدة للشرعية، وشارك في إصدار بيانات قيادات المؤتمر تتبرأ من موقف صالح وتحالفه مع الحوثيين.

الإرياني مثقفاً

بعيداً عن الأدوار السياسية، فقد كان الإرياني يمثل موسوعة ثقافية، وقد اعتبر أحد الصحافيين الذين زاروا منزله في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الإرياني أحد اثنين تجد في مكتباتهما مختلف الكتب المهمة، وكل جديد منها. وتظهر ثقافته في مقابلاته وأحاديثه الصحافية، التي يظهر فيها بارعاً في التوصيفات السياسية والاستدلال بالمواقف المختلفة والطريفة.
ولم تكن ثقافته وجهوده حالة فردية، بل كوريث لعائلته التي اشتهر منها العديد من السياسيين والمثقفين. فبالإضافة إلى عمه الذي كان رئيساً للجمهورية في الشمال، عبدالرحمن الإرياني، فإن الشقيق الأكبر لعبدالكريم، وهو مطهر الإرياني، يُعتبر عالم الآثار اليمني الأول والمتخصص بخط “المُسند” والحضارة اليمنية القديمة، وشاعراً كتب قصائد مغناة عاطفية ووطنية تُردد في معظم قرى وأرياف اليمن.