تعرف على مهندس قمع ثورات الربيع العربي في إيران وخارجها الذي قتل في سوريا .. حسين همداني

- ‎فيعربي ودولي

بعد أقل من أسبوع على إقالته من منصبه كقائد لقوات الحرس الثوري الإيراني المقاتلة في سوريا، بسبب ضعف أدائه وفشله في العمليات العسكرية المتتالية ضد قوات المعارضة السورية، ثم تكليفه بقيادة العمليات العسكرية والتنسيق بين فيلق “فاطميون” الأفغاني ولواء “زينبيون” الباكستاني والميليشيات العراقية وحزب الله اللبناني، أعلنت طهران في التاسع من شهر أكتوبر عام 2015 أن الجنرال حسين همداني قتل في المعارك الدائرة في محيط مدينة حلب على يد عناصر تنظيم داعش.

طوت طهران بهذا الإعلان المفاجئ صفحة واحد من أكثر جنرالاتها حنكة وخبرة وإرهاباً، وهو الرجل الذي لعب دوراً مهماً في الحيلولة دون سقوط دمشق كما تقول طهران، لكن ثمة حلقة مفقودة في هذه الرواية الإيرانية المستعجلة، وغير المنطقية.

عزلته طهران فعاد إلى سوريا

تقول بعض المصادر المطلعة من العاصمة الإيرانية إن قيادة حزب الله اللبناني طلبت من إيران تسريح حسين همداني وإقالته من قيادة قوات الحرس الثوري الإيراني المقاتلة في سوريا بعد أن تم اتهامه بالتقصير في قيادة القوات الإيرانية وعدم دعم جبهة الفوعة والزبداني.

وذكرت المصادر أن السبب يعود إلى أن همداني كان قد قدم تقريرا عسكريا عن عمليات سرقات أسلحة نفذتها قيادة حزب الله اللبناني وتم بيع الأسلحة في سوريا، وتضمن التقرير شرحاً كاملاً عن ضعف ميليشيات حزب الله في الحرب السورية بسبب فساد قيادة الحزب.

وبعد أن قدم الجنرال همداني تقريره المفصل عن ضعف وفساد حزب الله وكيف أصبحت قيادة الحزب تمتلك ثروات ضخمة بسبب السرقات المالية وعمليات بيع الأسلحة، تمت إقالته من منصبه لتبدأ عاصفة تبادل الاتهامات بينه وبين حسن نصر الله بسبب الفشل في سوريا وتم اتهام همداني بأنه يحاول الهيمنة ولعب دور قاسم سليماني في سوريا، ما أزعج القيادة الإيرانية التي انحازت بشكل واضح مع حسن نصرالله وجردت همداني من كل شيء.

وعلى الرغم من أن هذه المعلومات قد تم تبادلها على إطار ضيق ولم تأخذ صدى إعلامياً كبيراً، إلا أن الإرباك الذي خلفته عملية إقالة همداني ثم إعادة إرساله إلى سوريا التي يعرفها جيداً، وهو الذي “لعب دوراً مصيرياً في الذود عن المرقد الطاهر للسيدة زينب بنت الإمام علي عليهما السلام”، كما جاء في بيان نعيه الذي وزعته قيادة الحرس الثوري على وسائل الإعلام، وعلى الرغم من أن المرقد المذكور يقع في منطقة السيدة زينب القريبة من العاصمة دمشق، إضافة إلى أن همداني قتل حسب البيان الإيراني نفسه في مدينة حلب شمالاً، فإن هذا ما يرجح صدقية الرواية التي تتحدث عن تصفية محتملة لشخص متشدد بات مزعجاً، ويتزامن مقتله تماماً مع بدء التدخل الروسي في الأراضي السورية، والحديث عن أن طهران قبلت أن تكون تحت إمرة الدب الروسي بعد أن فشلت في إدارة الملف بمفردها.

مصادر تذكر أن السبب في عزل طهران لهمداني يعود إلى أن الجنرال كان قد قدم تقريرا عسكريا عن عمليات سرقات أسلحة نفذتها قيادة حزب الله اللبناني وتم بيعها في سوريا، وتضمن التقرير شرحا كاملا عن ضعف ميليشيات حزب الله في الحرب السورية بسبب فساد قيادة الحزب بعد ثلاثة أيام من هذا الإعلان الرسمي حول “استشهاد” مستشار القائد العام للحرس الثوري حسين همداني على يد مقاتلي تنظيم داعش، وفي تصريح مختلف أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، أن همداني قُتل في حادث مروري.

ووفقاً لموقع “الدبلوماسية الإيرانية” المقرب من وزارة الخارجية، أكد شمخاني أن حسين همداني سارع للحضور إلى سوريا مع بدء العملية البرية للجيش السوري بهدف إعطاء الاستشارة، وأنه قُتل في حادث مرور خلال أداء مهامه وكان برفقته 3 أشخاص آخرين.

قمع الثورة السورية

حددت وكالة فارس للأنباء التابعة للحرس الثوري، مكان حادث المرور. وكتبت أن سيارة حسين همداني انقلبت في الطريق الرابط بين خناصر وأثرياء جنوب شرقي حلب، وأن همداني قُتل بعد 48 ساعة من بدء العملية البرية خلال حادث المرور.

ولد حسين همداني أواسط الخمسينات، في محافظة همدان وقد أسهم في تأسيس الحرس الثوري في مسقط رأسه، وبرز اسمه خلال ما يعرف بالثورة الإسلامية في إيران، حيث كان واحداً من الوجوه البارزة في الحرس الثوري، وقد ساهم في قمع التمرد الشيوعي في كردستان الإيرانية، وكان من أبرز الضباط والقادة العسكريين الذين شاركوا في الحرب الإيرانية العراقية، وشغل بعدها منصب قائد حرس “أنصار الحسين” في محافظة همدان. وقد تولى قيادة الفرقة 27 التابعة للحرس الثوري في العاصمة الإيرانية طهران.

عيّنه محمد علي جعفري نائباً لقائد الحرس الثوري، وقد عملا سوياً للتخطيط لقمع أيّ محاولة لثورة مخملية في إيران وخاصة مع ظهور بوادر الحركة الإصلاحية، وكان من أشد معارضي الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي وقد انتقد سياسته في الانفتاح على الغرب والإصلاحات السياسية، ووقّع مع 27 قائداً من الحرس الثوري رسالة يدعون فيها خاتمي للتوقف عن سياسته.

كان همداني مساعداً للشيخ حسين طائب قائد قوات التعبئة الشعبية “الباسيج” حتى أواخر التسعينات، عُيّن بعدها قائداً لحرس العاصمة طهران مكافأة له على القمع القوي الذي واجه به الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009، ونتيجة لدوره في قمع “الانتفاضة الخضراء” فقد تم إدراج اسمه عام 2011 في قائمة العقوبات الدولية على إيران مع 32 مسؤولاً آخرين.

قال القائد السابق للحرس الثوري الإيراني الجنرال محسن رضائي خلال تشييع همداني، إن الأخير زار سوريا منذ العام 2011، حيث أسس ما يعرف بـ”قوات الدفاع الوطني” وهي ميليشيا ذات طابع طائفي تم تشكيلها لقمع الثورة السورية ضد نظام الأسد، على طريقة ميليشيات “الباسيج” الإيرانية. وساهم همداني أيضاً في تشكيل 14 مركز “باسيج” سوري في 14 محافظة، بهدف تصدير أفكار الثورة الإيرانية إلى سوريا. وقد شارك منذ العام 2011 وحتى مقتله في 80 عملية عسكرية.

ونقل موقع “تابناك” عن ضابط في الحرس الثوري الإيراني يدعى علي ثابت، كان مرافقا للجنرال حسين همداني طيلة فترة وجوده في سوريا، بأنه عندما تم إرسال الجنرال همداني إلى سوريا كان النظام في دمشق على وشك السقوط، وكان القصر الجمهوري مقر بشار الأسد في مرمى المعارضة السورية، واستهدف مرات عدة من قبل المسلحين، ووصل المسلحون بالقرب من مزار السيدة زينب في ريف دمشق.

وكشف مرافق الجنرال همداني عن الاسم الحركي لهمداني في سوريا، فكان يلقب بـ”أبي وهب”، وأضاف أن “دور همداني لم يقتصر فقط على تنظيم ميليشيات الدفاع الوطني في سوريا، بل ساهم في إعادة هيكلة الجيش السوري، وشارك في قطع شريان الحياة لجبهة النصرة، ولولا وجوده لما استطاع النظام السوري إقامة الانتخابات الرئاسية في البلاد”، مضيفا “إذن سوريا وشعبها مدينون لتضحيات الجنرال”.

علي ثابت مرافق الجنرال همداني يقوم بالكشف عن الاسم الحركي الذي اختاره لنفسه في سوريا، وعن تفاصيل مهماته فيها، إذ كان يلقب بـ”أبي وهب”، موضحا أن دور همداني لم يقتصر فقط على تنظيم ميليشيات الدفاع الوطني في سوريا، بل ساهم في إعادة هيكلة الجيش السوري، وهذا الكلام ينفي جملة وتفصيلاً الادعاءات الدائمة التي كان رأس النظام وكبار مسؤوليه يرددونها على أن إيران تقدم استشارات عسكرية فقط، وأنها غير متورطة في قتل السوريين، وكان همداني قد قال في مقابلة مع موقع “جوان همدان” المتشدد قبل مقتله بأيام فقط إن الرئيس السوري بشار الأسد مطيع لأوامر المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي أكثر من بعض السياسيين في إيران.

من قتل همداني

قال همداني أيضا “إن إصرار خامنئي على البقاء في سوريا جعلنا نصمد في هذا البلد بعد أن رفض حزب البعث والجيش السوري التعامل مع العسكريين الإيرانيين قبل ثلاث سنوات”، مضيفاً أنهم قبل ثلاث سنوات قرروا ترك سوريا والرجوع إلى إيران، لكن خامنئي أرغمهم على البقاء في سوريا، بحجة أنها “مريضة ويجب إسعافها رغماً عنها”.

وأشار همداني إلى أن الحكومة السورية بعد أربع سنوات من الوقوف معها، تعتبر الإيرانيين اليوم “ملاكاً من السماء” نزل لإنقاذهم بعد أن سيطرت المعارضة على 80 بالمئة من الأراضي السورية.

وروى همداني وصية حافظ الأسد لابنه بشار وهو على فراش الموت أن “يبقى في صف إيران، وأنه لو ترك إيران يوماً فعليه أن يعلم أنه لن يبقى في السلطة”.

لم تتبن أيّ جهة في سوريا سواء كانت تنظيم داعش أو أيّ فصيل مسلح آخر، وخاصة تلك التي تعمل في الشمال السوري، عملية اغتيال همداني، وظل الأمر مربوطاً بالبيان الرسمي الذي أصدرته طهران، والذي يتناقض كلياً مع رواية الحادث المروري الذي تسبب في مقتله.

وقف كبار المسؤولين الإيرانيين ليذكروا مناقب همداني بعد مقتله، قالوا إنه كان شجاعاً، وإنه دافع عن المقدسات، وقالوا أيضاً إنه رجل لا يمكن تعويضه، وهم أنفسهم الذين أجمعوا من قبل على أن همداني فاشل ولا بد من إقالته من الملف السوري.