أم علي تتوعد الحوثي

- ‎فيأخبار اليمن, كتابات
 ليس من يرى كمن يسمع، قالها جدي لي ذات يوم، عندما كنت أنقل له خبر جارنا الذي حطم عظام خمسة شبان قاموا بمعاكسة بنت الجيران، قال: هل شاهدت المشاجرة؟ قلت له: كلا يا جدي لكن شباب الحي يتناقلون أخبارها. وقتها كنت من المتأثرين بالعضلات المفتولة والتصريحات النارية لكن بعد أن تجاوزت الأربعين عرفت عمق مقولة ليس من يرى كمن يسمع، وقديماً كان البدو يقولون إن بين الصدق والكذب أربعة أصابع في إشارة للمسافة الفاصلة بين بداية العين والأذن، مناسبة الحديث هي التصريحات الحوثية الفوتوشوبية التي أصبحت مادة للسخرية والتندر في مجالسنا بينما لا يزال هنالك من يعتبرها جديرة بالاهتمام بشكل يثير الشفقة تجاه من يطلقها ومن يصدقها، أنا منذ عشرة أيام في تغطية صحفية في مركز القفل الحدودي في محافظة صامطة الذي يضم 41 قرية يسكنها 23 ألف نسمة يمتهن أغلبهم الزراعة وتربية المواشي، هناك أثرت أن أذهب بعيدا حيث الوديان المحاذية للأراضي اليمنية لمعرفة آراء الناس، وفعلاً شاهدت امرأة ستينية قوَّس الزمن ظهرها لكنه لم يفلح بالتأثير على عزيمتها، أم علي التي تتخذ من المراعي الطبيعية في قرية الحقلة الحدودية مسرحاً يومياً تجسد فوق خشبته الشموخ، تسخر من التصريحات الحوثية التي تسمعها من أحفادها في ليالي السمر العفوي، السمر الذي انقرض من بين ثنايا جدران المدن لكنه لا يزال حاضراً في القرى والبوادي، تقول أم علي -حفظها الله- لا يهمني ما يقول الحوثي: أنا في أرضي ما أبقاني الله فوقها، وقد شاهدت في حياتي من الصعاب ما تجعلني انظر لهذه التهديدات بعين الجدة التي تضحك من تهديدات أطفال الحي، أم علي أيضا لا تخفي استعدادها للتطوع مع القوات السعودية المشتركة متى ما احتاجها الوطن، أم علي وغيرها من نساء الشريط الحدودي يمثلن خط الدفاع الإعلامي الأول في زمن إشاعات الحرب وحملات التضليل بسبب اكتسابهن قدرة التميز بين الصادق والكاذب بحكم الخبرة المكتسبة من سنوات السعي في دروب الحياة، وقتها كنت أتمنى أن تقوم أم علي بإلقاء محاضرة لبعض الصحفيين الذين تغريهم خزعبلات السبق الصحفي ويسارعون بنشر أخبار غير دقيقة عن حقيقة الوضع في الحد الجنوبي، البعض وأكرر البعض لا يهتمون بالحقيقة ولا يجتهدون لمعرفتها، بل ينقلون ما يسمعوه فقط حتى يقال عنهم صحفيون، وهنا لا بد أن نشير لجهود أهالي مركز القفل الحدودي الحيوي الذي كان له النصيب الأكبر من قذائف الغدر الحوثيةمنذ انطلاق عاصفة الحزم، حيث ينتهج أبناء القرى طريقة راقية في الرد على الإشاعات، طريقة تستحق التأمل، فهم مع كل حملة تصريحات مضللة يقومون بتنظيم بطولة لكرة القدم لشباب القرى ويطلقون على الفرق أسماء ذات دلالات واضحة كفريق الحزم وفريق الأمل والسهم الذهبي وغيرها، في أرقى صور الرد الإعلامي الشعبي الحاسم على الحملات الكاذبة عن الأوضاع في قرى الشريط الحدودي، كم أتمنى لو تم تنظيم زيارة للصحفيين إلى قرى هذا المركز لعل البعض منهم، وأكرر البعض يتعلم كيف يتم التعامل مع المعلومات وقت الأزمات، فليس من يرى كمن يسمع..!!(نقلا عن صحيفة مؤسسة الجزيرة)