ماذا تريد السعودية من اليمن؟

- ‎فيأخبار اليمن, كتابات

هذا السؤال قديم ومكرر، وهو من الأسئلة المفخخة التي دائماً ما تضع السعودية في خانة الاتهام والتناقض، بينما هذا السؤال لم يكن يُطرح عن علاقة السعودية بقضايا العالم برمته، أعني العالم المصطخب بالحروب من أفغانستان، مروراً بالبوسنة والهرسك، إلى الشيشان، ثم أخيراً سورية والعراق، لم تتحدث الأمم المتحدة عن المواقف السعودية الإنسانية الكبيرة والمشهودة، وبليونات الدولارات التي أنفقتها لأجل رفع العنت وإزالة الضرر الذي لحق بالإنسان وبيئته جراء الحروب المدمرة، التي كانت ولا تزال تقودها أميركا، ليجيء تقرير الأمم المتحدة متجنياً عليها وعلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، إذ أدرجتها ضمن اللائحة السوداء مع الدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال في النزاعات والحروب، ملحقة إياها في التوصيف ذاته بالحوثي المارق.

لم تكن اليمن المتاخمة للحدود السعودية بكل قضاياها وتاريخها وأزماتها بمعزل عن السعودية، بل إنها الأقرب دائما إليهاً، والسعودية دائماً متضررة في سلمها وحربها مع الوجود اليمني، تحاول دفعها عنها بأقصى ما يمكن من وسائل، ولهذا هي في عين السعودية استثناء في الدعم والإعانة والتمويل، ولا تزال تحصل على هذا الدعم، ليس من خلال الحرب التي استمرأ فيها الحوثيون قتالهم الخاسر ببشاعة، ليس ضد السعودية فحسب، بل ضد اليمنيين أنفسهم متخذة الأطفال والنساء دروعاً بشرية، وتضعهم داخل كمائنها المستهدفة لعبة تغذي بها الرأي العالمي.

أقول، لا يتم هذا الدعم من خلال الحرب التي بدأها الحوثيون طمعاً في الوصل إلى السلطة، بل من خلال اللمسة الحانية التي تمنحها لأكثر من مليوني يمني وجدوا في السعودية بلدهم الثاني عوضاً عن بلدهم الذي تدمره آلة الطائفية الحاقدة الممتدة بأذرع الخونة من إيران إلى العمق اليمني.

كثير هو الكلام في هذه القضية، ومتنوعة تلك التحليلات السياسية لأوضاع اليمن البائس، ولكن الشيء الذي يستنكر بقلب موجوع أن يصدر هذا التقرير من أعلى هيئة عالمية تعنى بالإنسان وقضاياه وحفظ السلام وتوطيد الأمن الدولي!

هل فات خبراء هيئة الأمم المتحدة أن المملكة لم تكن لتدخل معمعة الحرب اليمنية الأهلية إلا ساعة حطت إيران بكل ثقلها العسكري في اليمن؟ لأجل السيطرة على تراب اليمن من خلال جماعات عميلة، ومن خلالها تسيطر على مضيق باب المندب الذي ما برحت بوارجها الحربية تمخره كلما أتيحت لها فرصة، وعينها على السيطرة على حركة الملاحة البحرية العالمية، ومنها تنطلق إلى أطماعها التوسعية الطائفية على حساب السعودية! وبهذا تكون أحرزت أكبر الأهداف المتضمنة في مخططاتها الغارقة في الدناءة والخبث، وتشهد على هذا هيئة الأمم نفسها من خلال رصدها الدقيق للملاحة البحرية! فنحن لا نزال نذكر تقريرها الذي أثبتت فيه أن إيران بدأت إرسال السلاح للمتمردين الحوثيين في اليمن منذ عام 2009؛ منها ست سفن شحن محملة بالأسلحة، منها سفينة صيد إيرانية كانت تنقل مئات الصواريخ المضادة للدبابات والمروحيات، وسفن أخرى إيرانية كانت تنقل السلاح إلى مجموعات مسلحة أخرى في دول جوار اليمن في مضيق باب السلام. من هذه السفن سفينة صيد إيرانية ضبطت عام 2011 كانت تحمل أكثر من 900 صارخ مضاد للدبابات والمروحية من صنع إيران، فماذا تريد هيئة الأمم المتحدة من السعودية بعد ذلك؟ أن تقف وقوف المتفرج حتى تغرس إيران نصالها السامة في عمقها عن طريق هذا اليمن المصاب بوباء النعرات الطائفية والقبلية؟ هل تريد أن تدخل في حربها مع أقذار الأرض من الحوثيين ومن لف لفهم بباقات الورود والرياحين؟ هذا أعجب من العجب.

لنكن صرحاء أكثر، السعودية لم تخض معركتها الحازمة في اليمن فقط لأجل إعادة الشرعية في اليمن، فهي كدولة أصبحت ذات عمق استراتيجي في السياسة العالمية، تسعى من خلال هذه الحرب لتأمين وجودها، واستئصال شأفة الحوثي الملبوس بغواية ودعم إيراني كامل، بمعنى أنها – أي السعودية – ليست غبية كي تسمح لهذه الذيول الخبيثة بالتمدد على حسابها، مدركة أنه في ما لو تم لطغاة إيران هذا الهدف، فستدخل في لفائف سياسية ذات حبال طويلة لا متناهية، تطيل أمد هذا الوجود حتى يستمريه المجتمع الدولي، وربما يباركه تحت مظلة المصالح المشتركة.

هيئة الأمم المتحدة لا ترى إلا بعين واحدة نحو قضايانا، فمتى جاءت المصالح مهما لحق بها من تدمير على هوى السياسات الأميركية، فإنها تباركها وتقف معها، وهنا يحق لنا السؤال: لمَ لمْ تستنكر هيئة الأمم المتحدة السنة الماضية الهجمات الصاروخية لطيران التحالف الذي تقوده أميركا في قضاء الرطبة في محافظة الأنبار، الذي أودى بحياة 120 مدنياً أغلبهم من الأطفال والنساء حرقاً؟ لمَ لمْ تستنكر مقتل 55 طفلاً من المهجرين المحتجزين على جسر بزيبز بسبب الحر الشديد؟ لماذا خرست ألسن خبراء هيئة الأمم المتحدة؟ هل تريدون أن نعود إلى الوراء قليلاً؟ أين صوت هيئة الأمم المتحدة يوم كانت نيران التحالف الأميركي تحرق الأخضر واليابس في العراق وليبيا لأجل إسقاط نظامي صدام حسين والقذافي؟

هذه السياسة التي وصفها بعض السياسيين الأميركيين المشاركين فيها آنذاك بأنها خرقاء، لا نبتعد كثيراً لننظر إلى ما يتعرض له العراقيون اليوم من مجازر وحشية يتعرض لها السنة على أيدي الحشد الشعبي الشيعي العراقي بقيادة إيرانية كاملة، وغطاء جوي أميركي على منظر ومشهد حي من العالم، تقطع الرؤوس أمام عدسات الكاميرات، من دون إدانة واضحة وحازمة لهيئة الأمم المتحدة ضد هذا الطغيان البشع، هذا يدعونا للاستغراب والشكوك في صدقية هيئة الأمم المتحدة! أليس من حق الشرعية اليمنية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية أن تجد المؤازرة والتأييد الكاملين حتى تعدو اليمن بلداً آمناً مطمئناً كما كان؟ بعيداً عن الاستقطابات الطائفية، ومنعاً لكارثة قد تقع لو أفشلت هذه المساعي، وتمكنت إيران من المنطقة، ألم تعتبر هيئة الأمم وخبراؤها من التدخل الإيراني في سورية ولبنان والعراق؟ هل عميت عما خلفته هذه اللوثة الخبيثة في جسدنا العربي وأحدثت شقوقاً عميقة فيها؟ هل تبتغي أن تحدث الشق ذاته في خليجنا العربي؟

حقيقة كان بعض المثقفين والسياسيين يتحرون انتهاء «عاصفة الحزم» على أحر من الجمر متفاعلين مع ما يطول المواطن اليمني من عذاب على أيدي طواغيت الأرض من الحوثيين، أعتقد أنه اليوم بات في حكم اليقين الذي لا يعتريه الشك، خصوصاً عقب مفاوضات الكويت، أن الحوثيين ممعنون في مساعيهم حتى لو أفنوا كل اليمنيين، وبناء عليه فإن «عاصفة الحزم» و«بناء الأمل» مطلب استراتيجي لضمان أمن الخليج العربي، حتى يخضع الحوثي لمطالب الشرعية، ويعود إلى صوت الحق، ويرفع يده الملوثة بدماء الأبرياء عن اليمن، وبهذا نستطيع أن نأمن على مستقبل خليجنا.

(نقلا عن الحياة اللندنية)