«زيكا» يقلق العالم

- ‎فيالصحة والطب

دقت منظمة الصحة العالمية جرس الإنذار أمس، مبدية تخوفها من تفشي فيروس «زيكا» الذي يربط العلماء بينه وبين ولادة آلاف الأطفال بأمخاخ صغيرة، وينتشر بطريقة سريعة في عموم القارة الأميركية مع توقع ثلاثة الى أربعة ملايين حالة في 2016، ومعلنة تشكيل «فريق طوارئ» للبحث في سبل مواجهته.

وقالت رئيسة المنظمة مارغريت شان، إن الفيروس «انتقل من مرحلة التهديد البسيط، إلى انتشار مثير للقلق»، واصفة اياه بـ«الأمر المفجع»، كاشفة في اجتماع في جنيف عن «اكتشف الفيروس العام الماضي في منطقة الأميركيتين حيث ينتشر بشكل كبير.. وتم تسجيل حالات في 23 بلداً وناحية في المنطقة. ومستوى الانذار عالٍ جداً».

ومن المقرر أن يجتمع الفريق الإثنين المقبل، لتحديد ما إذا كان يجب التعامل مع «زيكا« كتهديد عالمي، مثل فيروس «إيبولا«.

وعلاوة على ذلك أشارت شان الى أن «الوضع الناجم عن ظاهرة النينو (ظاهرة مناخية ازدادت قوتها منذ 2015 وتفاقم الاحتباس الحراري) من شأنه أن يزيد هذا العام عدد أسراب البعوض»، خصوصاً «بعوضة النمر» الذي ينتشر عبرها.

ودعت منظمة الصحة العالمية من جهتها الى تقليص أعداد معاقل البعوض (القضاء أو تعديل مواقع التكاثر) والحد من إمكانات الاتصال بين الحشرات والبشر، وأوصت باستخدام وسائل المكافحة وارتداء ملابس (يفضل ان يكون لونها فاتحاً) تغطي أكثر ما يمكن من الجسد وغلق الأبواب والنوافذ والنوم تحت واقيات منها، معتبرة أنه «من المهم أيضاً إفراغ أو تنظيف أو تغطية كل الأواني التي يمكن أن تحتوي ماء بما يحد من الأماكن التي يمكن للناموس أن يتكاثر فيها«.

وكان علماء أميركيون قد حثوا منظمة الصحة العالمية على اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة هذا فيروس، الذي يقولون إن لديه «قدرة هائلة على الانتشار كوباء«، وطالبوا في مقال نشر في إحدى الدوريات الطبية الأميركية، المنظمة بأن تستقي الدروس من تفشي «إيبولا» وأن تشكل لجنة طوارئ تضم خبراء في علم الأمراض لمواجهة هذا الفيروس، كاشفين أن مصل الوقاية قد يكون جاهزاً للاختبار في غضون عامين، لكن الأمر قد يستغرق عقداً من الزمان لكي يكون متاحاً للاستخدام.

وتسبب «زيكا» بحالة من الذعر في البرازيل، حيث أصيب الآلاف هناك بهذا الفيروس الذي انتشر أيضاً في دول أخرى.

وحثت رئيسة البرازيل ديلما روسيف، أميركا اللاتينية على التوحد من أجل مواجهة هذا الفيروس. وقالت في مؤتمر قمة بالإكوادور إن تبادل المعلومات حول هذا المرض هو السبيل الوحيد للقضاء على الفيروس، فيما دعا وزراء الصحة في المنطقة إلى عقد اجتماع الأسبوع القادم.

وقال الباحثان دانيال أر لوس ولورانس أوغوستين، في مقال نشر بدورية الجمعية الطبية الأميركية، إن فشل منظمة الصحة في مواجهة أزمة «إيبولا« الأخيرة في وقت مبكر ربما أدى إلى وفاة الآلاف، وحذرا من احتمال حدوث كارثة مماثلة إذا لم تتخذ المنظمة إجراء سريعاً لمواجهة «زيكا«، وأضافا: «يجب أن تجتمع لجنة طوارئ على وجه السرعة لتقديم المشورة للمدير العام للمنظمة بشأن الشروط اللازمة لإعلان حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً«، وأضافا: «اجتماع اللجنة في حد ذاته سوف يثير اهتمام المجتمع الدولي، والأمر نفسه بالنسبة للتمويل والبحث العلمي«.

وأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست أول من أمس، أن الإدارة الأميركية تعتزم بذل جهد أكبر للتواصل مع الأميركيين بشأن المخاطر المتعلقة بالفيروس.

ولا يوجد علاج للفيروس حتى الآن، لكن هناك محاولات، بقيادة علماء في كلية الطب بجامعة تكساس، لإنتاج لقاح.

وزار الباحثون البرازيل لإجراء أبحاث وجمع عينات، ويعملون الآن على تحليلها في جناح مختبرات يخضع لإجراءات أمنية مشددة من قبل الشرطة ومكتب التحقيقات الفدرالي في غالفستون في ولاية تكساس.

وقال مدير معهد العدوى والمناعة البشرية سكوت ويفر من داخل المبنى، إنه يحق للناس أن يخافوا من الفيروس، وأضاف: «إنه خطر كبير للغاية بكل تأكيد. إذا أصيب الجنين وصغر رأسه فلن نكون قادرين على تغيير تبعات هذا المرض الخطير للغاية، والذي يكون قاتلاً في بعض الأحيان أو يجعل الأطفال يعانون من إعاقة ذهنية للفترة المتبقية من حياتهم«. وكشف أن الفيروس «تفشى» العام الماضي، واجتاح منطقة الكاريبي وأميركا اللاتينية «وأصاب نحو بضعة ملايين من البشر«.

وتم اكتشاف الفيروس في القردة عام 1947 في غابات زيكا بأوغندا، وسجلت أول حالة إصابة بشرية في نيجيريا عام 1954. وعلى مدى عقود لم يكن الفيروس يمثل تهديداً كبيراً على صحة الإنسان، وتجاهله المجتمع العلمي إلى حد كبير.

وبدأ بعض الباحثين يهتمون بمواجهة الفيروس عندما تفشى بجزيرة ياب في ميكرونيسيا عام 2007.

وتكون الأعراض لدى البالغين والأطفال مماثلة لأعراض حمى الضنك، لكن أقل حدة بصفة عامة، بما في ذلك آلام تشبه الانفلونزا، والتهاب العينين والطفح الجلدي، على الرغم من أن البعض لا تظهر عليه أي أعراض على الإطلاق.

وفي حالات نادرة، قد يؤدي المرض إلى مضاعفات، بما في ذلك متلازمة غيلان ـ باريه (التهاب الأعصاب الحاد المزيل للنخاعين)، واضطراب في الجهاز العصبي قد يسبب الشلل.

أما عن أعراضه فتشمل: صغر حجم الرأس عن الطبيعي، ينتج عن توقف المخ عن النمو بمعدل طبيعي، حيث يبلغ قياس محيط الرأس أقل من 31.5 أو 32 سنتم عند الولادة.

والبرازيل هي أكثر بلد تأثراً بالفيروس، مع نحو 1,5 مليون حالة، بحسب المنظمة. وأعلنت الهندوراس أمس، تسجيل ألف حالة عدوى منذ كانون الأول 2015.

وقال ماركوس ايسبينال المسؤول في منظمة الصحة العلمية في جنيف «يمكننا توقع ما بين ثلاثة وأربعة ملايين حالة» في القارة الأميركية. وأوضح سيلفان الديغيري المسؤول الآخر في المنظمة أنه يتوقع بلوغ هذا العدد «خلال 12 شهراً«.

لكن كريستيان ليندمييه المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، اعتبر أن تقويم الوباء يبقى من دون حجمه الفعلي لأن معظم حالات الإصابة لا تنطوي على خطورة.

وحتى ان لم يتم إثبات وجود علاقة سببية مباشرة بين الفيروس وأعراض من قبيل صغر حجم رأس الجنين أو تشوهات عصبية تؤدي الى ضعف الأعضاء العلوية والسفلية، فقد نصحت النساء بتجنب الحمل في العديد من الدول مثل كولومبيا والسلفادور والاكوادور والبرازيل وجمايكا.

وفي أوروبا نصحت وزيرة الصحة الفرنسية ماريسول توران بـ«قوة» الحوامل بتأجيل سفراتهن الى مناطق الانتيل أو غويانا الفرنسية (أميركا الجنوبية)، فيما طالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بـ«تحرك عاجل» للحد من انتشار هذا الفيروس.

أما في لبنان، فقد أكدت مصادر صحية لـ«المستقبل» أنه «لا داعي للخوف من هذا الفيروس، خصوصاً أن احتمال الإصابة بها صعب«، مشيرة الى أنه «لا إصابات في لبنان، كما أن منظمة الصحة العالمية أعلنت أنه لا إصابات حتى الآن في بلدان شرق المتوسط».

وأوضحت المصادر أن «الفيروس ينتقل عن طريق نوع معين من البعوض (النمر) الذي يلسع الإنسان المصاب ثم يعود ليلسع شخصاً آخر، فينقل اليه العدوى، وهو لا ينتقل من إنسان الى آخر، مؤكدة «صعوبة انتقاله في لبنان حالياً، أولاً لأننا في موسم شتاء وبالتالي لا وجود للبعوض، ثانياً، أن هذا النوع من البعوض موجود في لبنان لكن في بؤر قليلة جداً، ولو كان باستطاعته نقل فيروس زيكا لكان نقل الملاريا المصاب بها عدد لا بأس به من المغتربين اللبنانيين»، معتبرة أن «الإجراءات التي يمكن اتخاذها هي مكافحة هذا النوع من البعوض».