حكومة ما قبل السقوط.. عمق الأزمة تجسده “الحقائب”

- ‎فيأخبار اليمن, تقارير

بعد خلاف طال بين المخلوع صالح من جهة ومليشيا الحوثي من جهة أخرى وتهور يمارسه الطرفان نحو الحرب وتبديد فرص السلام وانحسار الأداء السياسي، وفي ظل غضب شعبي واحتقان بلغ ذروته وانتصارات للجيش الوطني والمقاومة، تمخض الحليفان الانقلابيان عن مولود مشوه ليتم إعلان طاقم حكومة بن حبتور المكونة من 42 حقيبة وزارية بالمناصفة بين طرفي الانقلاب.
ويأتي هذا الإعلان بعد مرور شهرين على تكليف عبدالعزيز بن حبتور بتشكيل حكومة، غير شرعية، من قبل ما يسمى المجلس السياسي الأعلى الذي أعلن عنه الانقلابيون قبل ما يقارب الأربعة الأشهر في السابع من أغسطس الماضي في ظل تنازع الصلاحيات بينه وما يعرف باللجنة الثورية العليا برئاسة المتمرد محمد علي الحوثي التي استمرت ميليشيا الحوثي في استخدامها لتسيير شؤون البلاد منفردين عن حليفهم المخلوع صالح رغم إعلان شكل سياسي جديد بات يعرف بالمجلس السياسي الأعلى.
وتشير المعطيات إلى أن هذا التباين والاختلاف كان سببًا رئيسًا في تعثر إعلان حكومة بن حبتور المحسوبة على المجلس السياسي الأعلى الذي يمثل أدنى درجة من التوافق بين طرفي الانقلاب .

الدكتور صالح سميع الوزير السابق ومحافظ محافظة المحويت في حكومة الرئيس هادي الشرعية حاليًا، قال لـ إن كثيراً من الحيثيات تدل على أن هذه حكومة رقصة ما قبل السقوط المدوي للانقلاب، وهي حكومة تدل على عمق الأزمة بين طرفي الانقلاب وأزمة بينهم وبين الشعب اليمني الذي عجزوا أن يوفروا له أقل مستوى من الخدمات الحكومية متمثلة في الحفاظ على مكتسب مرتبات وأجور موظفي الدولة فضلاً عن الاستحقاقات الأخرى التي أخفق الانقلاب في استمرار تقديمها للمواطنين.
الأحداث المتزامنة مع قرار إعلان حكومة الانقلابيين تشير إلى أن هذه الخطوة لا تعدو أن تكون مناورة وردا سياسيا على جملة من النشاطات التي يقوم بها الرئيس الشرعي هادي في اتجاه اعتماد الحسم العسكري كخيار وحيد بعد أن انسدت آفاق الحل السياسي بفعل تعنت المليشيات، وهو ما جعل الرئيس اليمني يصدر جملةً من القرارات في تنظيم وترتيب قيادات مؤسسة الجيش ومساعي دبلوماسية نشطة ترافق هذه الإجراءات، كما أن وصول هادي إلى العاصمة المؤقتة عدن أحاط الوضع المليشياوي بمخاطر تهدد ما تبقى من تواجد لها في بعض محافظات شمال اليمن محملةً بأثقال هزائم وانهيارات في عدة جبهات عسكرية على الأرض.
دلالة المحاصصة
احتفظ المتمردون الحوثيون بأغلب الوزارات التي يمكن أن تقدم شيئًا في ظل الأزمات الخانقة التي تعانيها البلاد جراء الممارسات الانقلابية، فمن وزارة التربية والتعليم إلى العدل إلى الشباب والرياضة إلى الشؤون القانونية.
ويؤكد هذا التشكيل الوزاري أن ميليشيات الحوثي تحاول إحكام القبضة الحديدية واستبعاد كوادر المؤتمر الشعبي حزب المخلوع صالح من المفاصل المهمة واستخدامها “كومبارس”، فوزارات الشأن الخارجي كالمغتربين والتخطيط والتعاون الدولي والخارجية كانت من نصيب المؤتمر الذي يرأسه المخلوع صالح وتضرب حوله عزلة دولية ومنع من الحركة والسفر كما هي العزلة التي يعانيها اليمن كدولة احتلتها ميليشيات انقلابية يرفض العالم التعاطي معها عبر تلك الوزارات.
كما أن العدد الكبير الذي حملته حكومة الانقلاب بعدد 42 حقيبة وزارية لم يسبق في تاريخ اليمن الحديث أن جاءت حكومة بهذا العدد الثقيل. ويؤكد هنا الدكتور سميع أن هذا العدد دليل آخر على عمق الأزمة بين طرفي الانقلاب ومحاولة استرضاء فئات ومناطق وقبائل وتيارات وشخصيات كثيرة للإبقاء على موقفها الداعم للانقلاب أو لمكافأة بعضها على مواقفها، فتضخم العدد اضطراراً وهو ما يعلن عن شبه انهيار للانقلابيين.
ما وراء إعلان الحكومة
يبدو أن الملف الأمني سيأخذ الاهتمام الأكبر كون المليشيات الانقلابية عمدت إلى تأزيم الوضع الأمني وتضييق هامش الحريات وانتهاك الحقوق بشكل فج طيلة الفترة الماضية من عمرها في كرسي الحكم غصباً، فحقيبة نائب رئيس وزراء للشؤون الداخلية وحقيبة نائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن ثم حقيبة وزارة الداخلية ونقل زكريا الشامي من موقعه في الجهاز العسكري الانقلابي إلى وزير للنقل إضافة إلى وزراء دولة من الشخصيات الأمنية والعسكرية كفارس مناع ونبيه أبو نشطان، هذه الوجوه والحقائب الأمنية في حكومة أبو 42 تجعل من الوضع الأمني الملف الأول والذي سيكون كارثة حلت باليمنيين في زمن الميليشيا.
أما الملف السياسي فيستجلي الوضع بأن الانقلابيين يحاولون تغطية جرائرهم في عرقلة مباحثات الحل السياسي باستنساخ وزارة مخرجات الحوار وإضافة جملة -المصالحة الوطنية- على اسم الوزارة لذر الرماد على العيون، ويؤكد هذا المنحى التوقيت الذي تم فيه إعلان هذه حكومة كرد فعل ومواجهة شاملة مع المجتمع الدولي وتمرد عن المحاولات العالمية والأممية لإخراج اليمن إلى شط آمن عبر الحل السياسي الذي مثل إقدام الانقلابيين لإعلان هذه الحكومة رفضاً قاطعاً لكل متاحاته وممكناته السياسية ودروب السلام.
وليس خفياً ما سيمثله هذا العدد الضخم من الحقائب الوزارية من أعباء مالية في ظرف اقتصادي صعب تعاني منه اليمن وانهيار كامل للمنظومة الاقتصادية في البلاد. ويتحدى الدكتور سميع حكومة الانقلابيين أن تستطيع توفير رواتب موظفي الدولة كخطوة ضامنة لأي نجاح متوقع من دولة الانقلاب المليشياوي.
الحضور والغياب
في قراءة عامة للحضور الجهوي للحقائب الحكومة الانقلابية، فإن الجنوب ممثل فيها أكثر من الشمال ومحافظة تعز لم يتم تمثيلها بما يتناسب مع كثافتها السكانية وعدد القيادات التعزية التي ساندت الانقلاب ربما لسبب أن هذه المحافظة تشكل هاجسًا مقلقًا للانقلابيين.
محافظة حجة مثلت بشخصيتين الأولى، محافظ حجة الانقلابي علي بن علي القيسي كوزير للإدارة المحلية، الذي ساءت العلاقة بينه وبين الميليشيات في محافظته حجة لدرجة اقتربت من المواجهة المسلحة لأكثر من مرة على خلفية صراع نفوذ ومصالح لا علاقة لها بالصالح العام في المحافظة ولا المواقف المبدئية والقيمية تجاه قضايا الشأن العام. والثاني عبدالرحمن المختار كوزير للشؤون القانونية وهو أحد أبناء محافظة حجة المقيمين في الحديدة واستاذ في جامعتها وأحد منظري ومروجي الفكر الطائفي الحوثي في السهل التهامي وأحد أركان تنظيم الهاشمية السياسية في تهامة.

أما محافظتا ريمة والمحويت من إقليم تهامة فلم تحظيا بأي حقيبة وزارية في حكومة بن حبتور.

احتفظ عبدالملك الحوثي كأسرة ونواة صلبة لحركته الطائفية بوزارة التربية والتعليم لأخيه البرلماني يحيى بدر الدين الحوثي في واحدة من أبرز تجليات محاولة التغيير الفكري وطمس الهوية الجمعية لليمن عبر هذه الوزارة التي لعبت دورًا كبيرًا في الخمسة العقود الماضية بطول البلاد وعرضها في صناعة وحدة وطنية رغم التباينات والتقاطعات والاختلافات والتنوعات اللامحدودة في اليمن جهويًا وعرقيًا ومذهبيًا وطائفيًا وفكريًا وسياسيًا وأمسكت بزر الأمان لفترة طويلة، ويحاول الحوثي حاليًا أن ينثر بها عقد تعقيداته التي يرفضها اليمن العربي المسلم الواحد.
وتظل حزمة من التساؤلات قائمة تعتبر الإجابة عنها بيانا شافيا لما سيتم في الأيام القادمة، ما هي ردود فعل الرئيس هادي وخياراته لمواجهة هذه الخطوة وغيرها من الخطوات الانقلابية العبثية وهل سيقبل الرعاة الدوليون هذه الفوضى التي تقوض النظام الديمقراطي الذي تشدد عليه أركان النظام العالمي، وهل لا تزال فرص السلام حاضرة بقوة وقادرة على السباحة في بحر الأمواج المتلاطم برياح المليشيا الفوضوية.
وإلى أين تتجه مؤشرات الأوضاع العامة في اليمن والمنطقة الخليجية في وجه التحديات التي تصادم مصالح الإقليم والمنطقة العربية بأكملها وتعلن عنها إيران في أكثر من حدث ومناسبة وليس آخرها إعلان رئيس أركانها أنه لا يستبعد أن تكون هنالك قواعد عسكرية لإيران في سوريا واليمن. كل هذه الاستفهامات ذات علاقة وظيفية وموضوعية واحدة بما يجري ويعتمل في الشأن اليمني وما تقدم عليه هذه المليشيا.