لماذا امتنعت كندا عن التصويت في الأمم المتحدة ضد قرار ترامب بشأن القدس؟

- ‎فيعربي ودولي

ثار موقف كندا في الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس الماضي بامتناعها عن التصويت على قرار يدين خطوة ترامب باعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، غضب دول عربية لما هو معروف عن أوتاوا فيما يخص القضية الفلسطينية، لكن موقف مندوب كندا بعدم التصويت له دوافعه بلا شك.

الكاتب بصحفية The Toronto Star الكندية تم هاربر، كشف في مقال بالصحيفة الكندية السبب وراء هذه الخطوة التي كان لا يتوقعها أحد من قبل حكومة ترودو التي تبدي تعاطفاً كبيراً مع العرب والمسلمين، وإنه العلاقات الاقتصادية مع واشنطن والخوف من ردة فعل ترامب.

وقال هاربر، يوم الخميس، 21 ديسمبر/كانون الأول، في الأمم المتحدة، كان لحكومة كندا الليبرالية خياران، إمَّا معارضة ترامب والتمسُّك بمبادئها، أو مواصلة نمط التصويت الذي دائماً ما اتفق مع قرارات الولايات المتحدة بخصوص الشرق الأوسط.

لكن أمام أنظار العالم كله، لم تتبع أياً منهما وامتنعت عن التصويت.

تحرَّكت كندا إلى هامش الصورة، وتركت بقية العالم يتَّخذ موقفاً.

لم ترد الحكومة في الأغلب استفزاز ترامب في الوقت الذي تحيط فيه الكثير من الشكوك بمستقبل اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا).

وجاءت نتيجة التصويت لصالح القرار الذي وصف إجراء ترامب بأنه “لاغٍ وباطل” بموافقة 128 دولة، ورفض تسع دول، وامتناع 35 دولة عن التصويت.

حظيت الولايات المتحدة بدعم حلفاء رئيسيين مثل توغو، وبالاو، وجزر مارشال، وميكرونيزيا، وناورو، وهندوراس، وغواتيمالا، وبطبيعة الحال، إسرائيل.

وإذا أخرجنا إسرائيل من المعادلة، سيصبح عدد سكان الدول التي دعمت الولايات المتحدة أقل من سكان كندا أنفسهم، بحسب الكاتب الكندي.

هل كانت خطوة جبانة؟

ويضيف الكاتب، من ناحية أخرى، كانت كندا هي الدولة الوحيدة في مجموعة الدول الصناعية السبع، إلى جانب الولايات المتحدة، التي لم تُصوِّت لصالح إدانة تحرُّك ترامب.

وللوهلة الأولى، يبدو بالفعل أنَّ قرار امتناع كندا عن التصويت خطوة جبانة، لا سيما في ضوء التهديدات التي وجَّهتها نيكي هالي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة.

كانت نيكي تدافع عن حق ترامب في اتخاذ خطوة استفزازية غير ضرورية في الشرق الأوسط لأسباب سياسية داخلية صارمة.

بل وكانت على وشك تدوين أسماء الدول التي صوتت ضد قرار الولايات المتحدة، ولم تكن تنوي أن تنسى نتيجة هذا التصويت.

كان أداءً مريعاً، في أعقاب تهديدات ترامب الصارمة بقطع المساعدات عن أي شخص يصوت ضده، لكنَّ كندا التزمت الهدوء.

وفي حالة كندا، يبعث الامتناع عن التصويت بالفعل رسالةً ما، لأنَّ حكومة ترودو، تماماً مثل حكومة ستيفن هاربر من قبلها، دعمت الولايات المتحدة بخنوعٍ في التصويت ضد قرارات الأمم المتحدة التي تُعتبَر مناهِضة لإسرائيل.

لكن في الأغلب، كانت الرسالة من وراء الامتناع عن التصويت هي أنَّ أوتاوا لم ترغب في أن تكون حاضرة، ولم ترد أن تتخذ موقفاً، بل وكانت تتمنى لو أن يمر كل هذا سريعاً، بحسب الكاتب الكندي.

كان ذلك يتماشى مع رد فعل أوتاوا المبدئي بعدم اتخاذ أي رد فعل على خطوة ترامب، والذي تمثَّل في بيانٍ لم تُذكَر فيه الولايات المتحدة أو الرئيس الأميركي، لكنَّه أكد فحسب على دعم كندا لحل الدولتين الذي يتضمن الاتفاق على وضع القدس.

وبامتناعنا (ككندا) عن التصويت، لم نؤيد ترامب ولم نعارضه، لكن، بالطبع، سارعت واشنطن بتحوير النتائج على الفور والإشارة إلى أنَّ أولئك الذين امتنعوا عن التصويت قد دعموها.

ومع أنَّ 2017 كانت سنةً طويلة ومُرهِقة بالنسبة لحكومةٍ تتعامل مع ترامب كجارٍ لها، فضلاً عن استئناف محادثات النافتا الشهر المقبل، فإنَّ 2018 قد تكون أكثر صعوبة.

“خيبة أمل”

وأشار الكاتب إلى أنه شعر”بخيبة أمل” بسبب قرار ترامب بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، و”اختلفنا بشدة” مع الرسوم الجمركية الغريبة التي فرضتها وزارة التجارة الأميركية على بومباردييه (تكتُّل شركات كندية).

وتعهدت كريستيا فريلاند، وزيرة الشؤون الخارجية الكندية، بمهارة بأن تضطلع كندا بدورٍ قيادي أكبر على الساحة الدولية في ظل تحوُّل تركيز الولايات المتحدة إلى الداخل (دون ذكر ترامب)، وألقت كريستيا -وبجانبها روبرت ليثايزر الممثل التجاري الأميركي- خطاباً مفاده أنَّ عقلية “الفائز يأخذ كل شيء” لا يمكن أن تؤدي إلى إعادة تفاوض مُرضية بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، بحسب الكاتب الكندي.

لكن دفاعاً عن موقف أوتاوا، لم يكن أحد من الجالسين في الجمعية العامة يوم الخميس، باستثناء المكسيك، قريباً بهذا الشكل من رئيسٍ قد تؤدي خطوته التالية إلى زعزعة استقرار هذا البلد. وجديرٌ بالذكر أنَّ المكسيك هي الأخرى امتنعت عن التصويت، بحسب الكاتب الكندي.

فلدى كندا مصالح ثنائية مع الولايات المتحدة تجبرها على توخي الحذر، وهي بالتأكيد أكثر حذراً حين يتعلق الأمر بإدانة واشنطن من البلدان التي يفصلها محيطٌ بأكمله عن الولايات المتحدة.

في علاقتها الثنائية الأهم، كانت الحكومة الليبرالية الكندية تتعامل مع رجلٍ في البيت الأبيض (أي ترامب) يقف تقريباً ضد كل شيء يدافع عنه هذا البلد (كندا).

وهي تفعل ذلك بينما أهم علاقة تجارية ثلاثية بالنسبة لها (نافتا) على المحك.

لقد فَقَدت كندا صوتها في الشرق الأوسط حتى لا تزعِج الرئيس الأميركي.

ولم تتمكن حتى من التصويت يوم الخميس على قرارٍ يعكس سياستها الرسمية.

ووقفت أوتاوا موقف المتفرج لاسترضاء رئيسٍ تلاعب بنا أثناء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية.

ويختم الكاتب مقاله قائلاً “وربما يدركون أنَّ تحسُّس خطواتنا وفقدان صوتنا الدولي قد لا يُحدِث أي فارق، لأنَّ ترامب إذا أراد الخروج من اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، سيفعل ذلك”.

وقد لا يكون لهذه السنة التي أمضيناها نتحسس خطواتنا وكلماتنا أي قيمةٍ على الإطلاق.